[b]هل يجب على المرأة خدمة زوجها؟
السؤال : كثيراً ما نسمع عن حوادث طلاق أو ضرب للزوجة
من قبل الزوج بسبب أمور تافهة مثل (عدم طبخ الغداء)
أو (تأخير الغداء) أو (حرق الغداء) ، وعندما تسألهم عن سبب
ذلك التصرف يكون القول : ( لأنها أهملت في واجباتها
الشرعية ) ، ولكن هل فكر أحدكم يوماً من الأيام عن الحكم
في خدمة الزوجة لزوجها من الناحية الشرعية ؟ هل يجب على
المرأة (شرعاً) الطبخ لزوجها ؟ أو تنظيف البيت أو الملابس ؟
جمهور العلماء يقولون إنه لا حق للزوج على زوجته في هذه
الأمور ، إلا أن تقوم بها مختارة دون إلزام ، فهل هذا صحيح ؟
الجواب :
الحمد لله
اختلف الفقهاء في وجوب خدمة الزوجة لزوجها ، فذهب
الجمهور إلى أنه لا يجب عليها ذلك ، وذهب بعض أهل العلم إلى الوجوب .
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (19/44) : " لا خلاف
بين الفقهاء في أن الزوجة يجوز لها أن تخدم زوجها في البيت ،
سواء أكانت ممن تخدم نفسها أو ممن لا تخدم نفسها .
إلا أنهم اختلفوا في وجوب هذه الخدمة :
فذهب الجمهور ( الشافعية والحنابلة وبعض المالكية ) إلى أن
خدمة الزوج لا تجب عليها لكن الأولى لها فعل ما جرت العادة به .
وذهب الحنفية إلى وجوب خدمة المرأة لزوجها ديانةً لا قضاءً ؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قَسَّم الأعمال بين علي وفاطمة
رضي الله عنهما ، فجعل عمل الداخل على فاطمة ، وعمل
الخارج على علي ، ولهذا فلا يجوز للزوجة - عندهم - أن تأخذ
من زوجها أجرا من أجل خدمتها له .
وذهب جمهور المالكية وأبو ثور ، وأبو بكر بن أبي شيبة
وأبو إسحاق الجوزجاني ، إلى أن على المرأة خدمة زوجها في
الأعمال الباطنة التي جرت العادة بقيام الزوجة بمثلها ؛ لقصة
علي وفاطمة رضي الله عنها ، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم
قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت ، وعلى علي بما كان خارج
البيت من الأعمال ، ولحديث : ( لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد
لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، ولو أن رجلا أمر امرأته أن
تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود ، ومن جبل أسود إلى جبل
أحمر لكان نولها [حقها] أن تفعل ) . قال الجوزجاني : فهذه
طاعته فيما لا منفعة فيه فكيف بمؤنة معاشه
.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه بخدمته فيقول :
يا عائشة أطعمينا ، يا عائشة هلمي المدية واشحذيها بحجر .
وقال الطبري : إن كل من كانت لها طاقة من النساء على خدمة
بيتها في خبز ، أو طحن ، أو غير ذلك أن ذلك لا يلزم الزوج ،
إذا كان معروفا أن مثلها يلي ذلك بنفسه " انتهى .
وجاء فيها (30/126) أيضاً في بيان مذهب المالكية السابق :
" ... إلا أن تكون من أشراف الناس فلا تجب عليها الخدمة ،
إلا أن يكون زوجها فقير الحال " انتهى .
ويتأكد القول بلزوم الخدمة على المرأة إذا جرت العادة به ،
وتزوجت دون أن تشترط ترك الخدمة ، لأن زواجها كذلك يعني
قبولها الخدمة ؛ لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا .
وقد رجح جماعة من أهل العلم القول بوجوب خدمة الزوجة
لزوجها وذكروا أدلة ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله ، ويتنوع ذلك
بتنوع الأحوال ، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية ، وخدمة
القوية ليست كخدمة الضعيفة . وقاله الجوزجاني من أصحابنا
وأبو بكر بن أبي شيبة" انتهى .
"الاختيارات" ص 352 .
وقال ابن القيم رحمه الله : " فصل : في حكم
النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها :
قال ابن حبيب في "الواضحة" : حكم النبي صلى الله عليه وسلم
بين على بن أبى طالب رضي الله عنه ، وبين زوجته فاطمة
رضي الله عنها حين اشتكيا إليه الخدمة ، فحكم على فاطمة
بالخدمة الباطنة ، خدمة البيت ، وحكم على علي بالخدمة
الظاهرة ، ثم قال ابن حبيب : والخدمة الباطنة: العجين ،
والطبخ ، والفرش ، وكنس البيت ، واستقاء الماء ، وعمل البيت كله .
في الصحيحين : أن فاطمة رضي الله عنها أتت
النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى
، وتسأله خادما فلم تجده ، فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها ،
فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته قال علي :
فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا ، فذهبنا نقوم ، فقال : ( مكانكما ،
فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على بطني ، فقال : ألا
أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما ؟ إذا أخذتما مضاجعكما
فسبحا الله ثلاثا وثلاثين ، واحمدا ثلاثا وثلاثين ، وكبرا أربعا
وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم . قال علي : فما تركتها بعد ،
قيل : ولا ليلة صفين ؟ قال : ولا ليلة صفين ) .
وصح عن أسماء أنها قالت : كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله ،
وكان له فرس وكنت أسوسه ، وكنت أحتش له ، وأقوم عليه
.
وصح عنها أنها كانت تعلف فرسه ، وتسقى الماء ، وتخرز الدلو
وتعجن ، وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ .
فاختلف الفقهاء في ذلك ، فأوجب طائفة من السلف والخلف
خدمتها له في مصالح البيت ، وقال أبو ثور : عليها أن تخدم زوجها في كل شيء .
ومنعت طائفة وجوب خدمته عليها في شيء ، وممن ذهب إلى
ذلك مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأهل الظاهر ، قالوا : لأن
عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع ، لا الاستخدام وبذل المنافع ،
قالوا : والأحاديث المذكورة إنما تدل على التطوع ومكارم
الأخلاق ، فأين الوجوب منها ؟
واحتج من أوجب الخدمة بأن هذا هو المعروف عند من خاطبهم
الله سبحانه بكلامه ، وأما ترفيه المرأة ، وخدمة الزوج ، وكنسه
، وطحنه ، وعجنه ، وغسيله ، وفرشه ، وقيامه بخدمة البيت
، فمن المنكر ، والله تعالى يقول : (ولهن مثل الذي عليهن
بالمعروف) البقرة/228 ، وقال : ( الرجال قوامون على النساء )
النساء/34 ، وإذا لم تخدمه المرأة ، بل يكون هو الخادم لها ، فهي القوامة عليه .
وأيضا: فإن المهر في مقابلة البضع ، وكل من الزوجين يقضي
وطره من صاحبه ، فإنما أوجب الله سبحانه نفقتها وكسوتها
ومسكنها في مقابلة استمتاعه بها وخدمتها ، وما جرت به عادة الأزواج .
وأيضا : فإن العقود المطلقة إنما تنزّل على العرف ، والعرف
خدمة المرأة ، وقيامها بمصالح البيت الداخلة ، وقولهم : إن
خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرعا وإحسانا يردّه أن فاطمة كانت
تشتكى ما تلقى من الخدمة ، فلم يقل لعلى : لا خدمة عليها ،
وإنما هي عليك ، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابى في الحكم
أحدا ، ولما رأى أسماء والعلف على رأسها ، والزبير معه ، لم
يقل له : لا خدمة عليها ، وإن هذا ظلم لها ، بل أقره على
استخدامها ، وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم مع
علمه بأن منهن الكارهة والراضية ، هذا أمر لا ريب فيه .
ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة ، وفقيرة وغنية ، فهذه
أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها ،
وجاءته صلى الله عليه وسلم تشكو إليه الخدمة ، فلم يشكها ،
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المرأة عانية ،
فقال : ( اتقوا الله في النساء ، فإنهن عوانٍ عندكم) ،
والعانى : الأسير ، ومرتبة الأسير خدمة من هو تحت يده ،
ولا ريب أن النكاح نوع من الرق ، كما قال بعض السلف :
النكاح رق ، فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته ، ولا يخفى على
المنصف الراجح من المذهبين ، والأقوى من الدليلين " انتهى
من "زاد المعاد" (5/186) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " أما خدمتها لزوجها فهذا
يرجع إلى العرف ، فما جرى العرف بأنها تخدم زوجها فيه وجب
عليها خدمته فيه ، وما لم يجرِ به العرف لم يجب عليها ، ولا
يجوز للزوج أن يلزم زوجته بخدمة أمه أو أبيه أو أن يغضب
عليها إذا لم تقم بذلك ، وعليه أن يتقي الله ولا يستعمل قوته
، فإن الله تعالى فوقه ، وهو العلي الكبير عز وجل ،
قال الله تعالى :
( فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً )
" انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وقال في "الشرح الممتع" (12/441) : " والصحيح أنه يلزمها
أن تخدم زوجها بالمعروف " انتهى .
وسئل الشيخ ابن جبرين يرحمه الله : هل من الواجب على الزوجة
أن تطبخ الطعام لزوجها ؟ وإن هي لم تفعل ، فهل تكون عاصية بذلك ؟
فأجاب : "لم يزل عُرْف المسلمين على أن الزوجة تخدم زوجها
الخدمة المعتادة لهما في إصلاح الطعام وتغسيل الثياب والأواني
وتنظيف الدور ونحوه ، كلٌّ بما يناسبه ، وهذا عرف جرى عليه
العمل من العهد النبوي إلى عهدنا هذا من غير نكير ، ولكن لا
ينبغي تكليف الزوجة بما فيه مشقَّة وصعوبة ، وإنما ذلك حسب
القدرة والعادة ، والله الموفق " انتهى من "فتاوى العلماء في
عشرة النساء" ص 20 .
وبهذا يتبين أن الراجح وجوب الخدمة بالمعروف ، وأن المرأة
مطالبة بالعمل في البيت ، كما أن الرجل مطالب بالعمل والكسب خارجه .
ومن تمسك بقول الجمهور في نفي وجوب الخدمة ، قيل له :
والجمهور لا يوجبون على الزوج علاج زوجته إذا مرضت ،
وعللوا ذلك بأن العلاج ليس حاجة أساسية ، أو بأن النفقة إنما
تكون فيما يقابل المنفعة ، والتداوي إنما هو لحفظ أصل الجسم .
ولكن من نظر إلى كون العلاج أصبح حاجة أسياسية في هذا
العصر ، تبين له رجحان القول بوجوب معالجة الزوج لزوجته .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (
83815) .
وإذا لم تقم الزوجة بأعمال البيت ، فمن الذي سيقوم بها ؟
والزوج مشغول سائر يومه بالكسب ، وأكثر الناس لا يستطيع
دفع أجرة للخادمة .
ولو أن النساء امتنعن عن الخدمة ، لأعرض الرجال عن الزواج
منهن ، أو اشترطوا عليهن الخدمة في عقد النكاح ، ليزول الإشكال .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب[/b]